الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ومنه قول امرئ القيس: المتقارب: يستفهم هل هم منجدون أم غائرون لأن العشر مما لا ينبت إلا في تهامة، والمرخ مما لا ينبت إلا في نجد.والرفرف: ما تدلى من الأسرة من غالي الثياب والبسط: وكذلك قال ابن عباس وغيره: إنها فضول المحابيس والبسط، وقال ابن جبير، الرفرف: رياض الجنة.قال القاضي أبو محمد: والأول أصوب وأبين، ووجه قول ابن جبير: إنه من رف البيت، إذا تنعم وحسن، وما تدلى حول الخباء من الخرقة الهفافة يسمى رفرفًا، وكذلك يسميه الناس اليوم. وقال الحسن ابن أبي الحسن، الرفرف: المرافق، والعبقري: بسط حسان فيها صور وغير ذلك، تصنع بعبقر، وهو موضع يعمل فيه الوشي والديباج ونحوه قال ابن عباس: العبقري: الزرابي. وقال ابن زيد: هي الطنافس. وقال مجاهد: هي الديباج الغليظ.وقرأ زهير الفرقبي: {رفارفَ} بالجمع وترك الصرف. وقرأ أبو طمعة المدني وعاصم في بعض ما روي عنه {رفارفٍ} بالصرف، وكذلك قرأ عثمان بن عفان: {رفارفٍ وعباقرٍ} بالجمع والصرف، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وغلط الزجاج والرماني هذه القراءة. وقرأ أيضًا عثمان في بعض ما روي عنه: {عبَاقَر}: بفتح القاف والباء، وهذا على أن اسم الموضع {عبَاقَر} بفتح القاف، والصحيح في اسم الموضع: {عبقر}، قال الشاعر امرؤ القيس: الطويل: قال الخليل والأصمعي: إذا استحسنت شيئًا واستجادته قالت {عبقرى}.قال القاضي أبو محمد: ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فلم أر عبقريًا من الناس يفري فريه» وقال عبد الله بن عمر: العبقري سيد القوم وعينهم. وقال زهير: الطويل: ويقال عبقر: مسكن للجن. وقال ذو الرمة: البسيط: وقرأ الأعرج: {خضُر} بضم الضاد. وقرأ جمهور الناس: {ذي الجلال} على اتباع الرب. وقرأ ابن عامر وأهل الشام. {ذو} على اتباع الاسم، وكذلك في الأول، وفي حرف أبيّ وابن مسعود، {ذي الجلال} في الموضعين، وهذا الموضع مما أريد فيه بالاسم مسم اهـ.والدعاء بهاتين الكلمتين حسن مرجو الإجابة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام».نجز تفسير سورة الرحمن: وصلى الله على مولانا محمد سيد ولد عدنان. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي وله من دون الجنتين الأوليين جنتان أخريان.قال ابن عباس: ومن دونهما في الدَّرَج.ابن زيد: ومن دونهما في الفضل.ابن عباس: والجنات لمن خاف مقام ربه؛ فيكون في الأوليين النخل والشجر، وفي الأخريين الزرع والنبات وما انبسط.الماورديّ: ويحتمل أن يكون {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} لأتباعه لقصور منزلتهم عن منزلته، إحداهما للحور العين، والأخرى للولدان المخلّدين؛ ليتميّز بهما الذكور عن الإناث.وقال ابن جريج: هي أربع: جنتان منها للسابقين المقرَّبين {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} و{عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}، وجنتان لأصحاب اليمين {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} و{فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ}.وقال ابن زيد: إن الأُوليين من ذهب للمقرّبين، والأُخريين من ورِقٍ لأصحاب اليمين.قلت: إلى هذا ذهب الحَلِيميّ أبو عبد الله الحسن بن الحسين في كتاب (منهاج الدين له)؛ واحتج بما رواه سعيد بن جُبير عن ابن عباس {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} إلى قوله: {مُدْهَآمَّتَانِ} قال: تانك للمقرَّبين، وهاتان لأصحاب اليمين.وعن أبي موسى الأشعري نحوه.ولما وصف الله الجنتين أشار إلى الفرق بينهما فقال في الأُوليين: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}، وفي الأُخريين: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} أي فوّارتان ولكنهما ليستا كالجاريتين لأن النضخ ذون الجري.وقال في الأوليين: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} فعمّ ولم يخصّ.وفي الأخريين: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} ولم يقل من كل فاكهة، وقال في الأوليين: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} وهو الديباج، وفي الأخريين {مُتَّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} والعبقرِيّ الوَشْي، ولا شك أن الديباج أعلى من الوشي، والرفرف كِسَر الخِباء، ولا شك أن الفرش المعدّة للاتكاء عليها أفضل من فضل الخِباء.وقال في الأوليين في صفة الحور: {كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان}، وفي الأخريين {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} وليس كل حسن كحسن الياقوت والمرجان.وقال في الأوليين: {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} وفي الأخريين {مُدْهَآمَّتَانِ} أي خضراوان كأنهما من شدّة خضرتهما سوداوان، ووصف الأوليين بكثرة الأغصان، والأخريين بالخضرة وحدها، وفي هذا كله تحقيق للمعنى الذي قصدنا بقوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} ولعل ما لم يذكر من تفاوت ما بينهما أكثر مما ذكر.فإن قيل: كيف لم يذكر أهل هاتين الجنتين كما ذكر أهل الجنتين الأوليين؟ قيل: الجنان الأربع لمن خاف مقام ربه إلا أن الخائفين لهم مراتب، فالجنتان الأوليان لأعلى العباد رتبة في الخوف من الله تعالى، والجنتان الأخريان لمن قصرت حاله في الخوف من الله تعالى.ومذهب الضحاك أن الجنتين الأوليين من ذهب وفضّة، والأخريين من ياقوت وزمرد وهما أفضل من الأوليين، وقوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي ومن أمامهما ومن قِبلهما وإلى هذا القول ذهب أبو عبد الله الترمذي الحكيم في (نوادر الأصول) فقال: ومعنى {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} أي دون هذا إلى العرش؛ أي أقرب وأدنى إلى العرش، وأخذ يفضلهما على الأوليين بما سنذكره عنه.وقال مقاتل: الجنتان الأوليان جنة عدن وجنة النعيم، والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.قوله تعالى: {مُدْهَآمَّتَانِ} أي خضراوان من الريّ؛ قاله ابن عباس وغيره.وقال مجاهد: مسودتان.والدُّهْمة في اللغة السواد؛ يقال: فرس أدهم وبعير أدهم وناقة دهماء أي اشتدت زرقته حتى ذهب البياض الذي فيه؛ فإن زاد على ذلك حتى اشتد السواد فهو جَوْن.وادْهَمَّ الفرس ادهماما أي صار أدهم.وادهام الشيءُ ادهيماما أي اسواد؛ قال الله تعالى: {مُدْهَآمَّتَانِ} أي سوداوان من شدة الخضرة من الرِّيّ؛ والعرب تقول لكل أخضر أسود.وقال لَبيد يرثي قتلى هَوازِن:السَّنَوَّر لَبُوسٌ من قِدٍّ كالدِّرْع.وسميت قُرَى العراق سوادًا لكثرة خضرتها.ويقال لليل المظلم: أخضر.ويقال: أباد الله خضراءهم أي سوادهم.قوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} أي فوارتان بالماء؛ عن ابن عباس.والنضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء.وعنه أن المعنى نضَّاختان بالخير والبركة؛ وقاله الحسن ومجاهد.ابن مسعود وابن عباس أيضًا وأنس: تَنضَخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضَخ رش المطر.وقال سعيد بن جُبير: بأنواع الفواكه والماء.الترمذي: قالوا بأنواع الفواكه والنِّعم والجَوارِي المزيّنات والدواب المسرَجات والثياب الملوّنات.قال الترمذيّ: وهذا يدل على أن النضخ أكثر من الجري.وقيل: تنبعان ثم تجريان.قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} فيه مسألتان.الأولى: قال بعض العلماء: ليس الرمان والنخل من الفاكهة؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره.وهذا ظاهر الكلام.وقال الجمهور: هما من الفاكهة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان لفضلهما وحسن موقعهما على الفاكهة؛ كقوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] وقوله: {مَن كَانَ عَدُوًّا للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] وقد تقدّم.وقيل: إنما كررهما لأن النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البُرّ عندنا؛ لأن النخل عامّةً قوتهم، والرمان كالثمرات، فكان يكثر غرسهما عندهم لحاجتهم إليهما، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثمار التي يعجبون بها؛ فإنما ذكر الفاكهة ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما وكثرتهما عندهم من المدينة إلى مكة إلى ما والاها من أرض اليمن؛ فأخرجهما في الذكر من الفواكه وأفرد الفواكه على حدتها.وقيل: أُفِردا بالذكر لأن النخل ثمره فاكهة وطعام، والرمان فاكهة ودواء، فلم يخلصا للتفكُّه؛ ومنه قال أبو حنيفة رحمه الله، وهي المسألة الثانية:إذا حلف أن لا يأكل فاكهة فأكل رمّانًا أو رُطَبًا لم يحنث.وخالفه صاحباه والناس.قال ابن عباس: الرمانة في الجنة مثل البعير المُقَتَّب.وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة جذوعها زمرد أخضر، وكرانيفها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مُقطَّعاتهم وحُللَهم، وثمرها أمثال القِلال والدلاء؛ أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزُّبْد؛ ليس فيه عَجمَ.قال: وحدّثنا المسعوديّ عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة، قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وإنّ ماءها ليجري في غير أخدود، والعنقود اثنا عشر ذراعًا.قوله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} فيه مسألتان:الأولى: قوله تعالى: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} يعني النساء الواحدة خَيْرة على معنى ذوات خير.وقيل: {خَيِّرات} بمعنى خيرات فخفِّف؛ كهيِّن وليّن.ابن المبارك: حدثنا الأوزاعيّ عن حسان بن عطية عن سعيد بن عامر قال: لو أن خَيْرة من {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} اطلعت من السماء لأضاءت لها، ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر، ولَنِصيفٌ تُكساه خيرة خير من الدنيا وما فيها.{حِسان} أي حسَان الخلق، وإذا قال الله تعالى: {حِسَانٌ} فمن ذا الذي يقدر أن يصف حسنهنا وقال الزهريّ وقتادة: {خَيْرَاتُ} الأخلاق {حِسان} الوجوه.وروي ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث أمّ سلمة.وقال أبو صالح: لأنهنّ عَذَارى أبكار.وقرأ قتادة وابن السَّمَيْقَع وأبو رجاء العُطارديّ وبكر بن حبيب السهميّ {خَيِّرَاتٌ} بالتشديد على الأصل.وقد قيل: إنّ خَيْرات جمع خَيْر والمعنى ذوات خَير.
|